|
♠ ..| مئذنة النون يمنع المنقول والهمسة زليخة راودت الصمت عن ذاته(القصص والروايات وق ق ج) |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||||
|
||||||||||
تل مكسور
مضى على تعيين الأستاذ "حمدان العمر " ، أكثر
من ثلاث سنوات ، معلماً وحيداً في قرية " تل مكسور " ، دون أن يطلب نقله إلى قريته القريبة ، بالرغم من حاجة أبويه العجوزين ، إلى خدماته في الأرض التي يتملّكانها ، فهو يرى نفسه كلّ شيء في "تل مكسور " ، فإذا انتقل إلى قريته ، ذهبت مكانته وهيبته ، ولسوف يضطر أن ينزل من عليائه ، ليعمل في الأرض ، بدافع الحياء والواجب أمام الحاح والديه . لقد أوهم الجميع ـ بمن فيهم المختار ـ " أبو قاسم " بأنه رجل مسنود في المحافظة ، بأن أبرز لهم بطاقة غريبة ، على أنها بطاقة أمنية ، فانتشر صيته حتى شمل القرى المجاورة ، كما اشتهر بقسوته وبطشه ، وكثيرا ما كان يبتسم في سره ، حين يتذكر خوف الكبار منه قبل الصغار . وماكان يغريه في البقاء في " تل مكسور " ، ما يلقاه من خدمة واهتمام وتبجيل ، فقد سكن في أحسن البيوت ، وأكل أشهى الطعام ، بفضل دعمه المزعوم . ومن دواعي استمراريته في هذه القرية ، مغامراته الجنسية فيها ، فهو يستغل وضعه معلماوحيدا ، يستشيره الجميع في كل الأمور ، قانون ، سياسة ، زراعة ، وحتى أمور الدين ، وكثيرا ما كان يتبجح بمقولة ، " من علمني حرفا ، كنت له عبدا "، مشددا بتلذذ عظيم على كلمة " عبد" ، كل هذا استخدمه طعما في اصطياد النساء الساذجات ، بالإضافة إلى كونه عازبا لم يتجاوز الثلاثين، يعد نفسه متميزا بثقافته ، وعاداته ، وملبسه ، ومشربه ، ومن هذا المنطلق ، يصر على ارتداء طقمه البني ، وقميصه البرتقالي ، وربطة عنقه الحمراء ، في كل الأوقات ، وكان يطيل الوقت حين ينظف أسنانه ، ليراه أكبر عدد ممكن من الأهالي ، وإلى أن ينبثق الدم من لثته الملتهبة . إنه يرى في شخصه ملكا ، في هذه القرية الغافلة . لكن ما ينغص عيشه هي " خديجة " والدة تلميذه " جمعة الخلف " ، أجمل نساء القرية ، الأرملة ، والوحيدة ، والتي تستطيع لو شاءت أن تتسلل إليه ، أو يتسلل إليها ، فالبيت قريب ، ولكنها نفرت من كل المحاولات . ذات يوم طرق بابها ، بعد منتصف الليل ، فرجع مغسولا ببصقة ، مازال يحس وقعها على وجهه، مما جعله يتنازل ، وبدافع شهوته المتقدة نحوها ، ويعرض عليها الزواج ، فتعللت له بولدها ، وبأنها نذرت حياتها من أجله ، فأضحت جرحه الكبير ، وتحولت شهوته إلى جرح عميق ، انصب على ولدها "جمعة " ، فصار يضرب بعد الدلال .. رغم تفوقه ، فتنتقل شكواه ودموعه إلى أمه ، التي تشكو أمرها وأمر ابنها إلى الله . كان الأستاذ "حمدان " يقف على الكرسي ، يتلصص من خلال النافذة ، مراقبا حركة التلاميذ في استراحتهم ، فما إن تبدر أية حركة من اللعب البريء من الصبي ، حتى يباغت بصوت الأستاذ المتجسس ، ويبدأ التحقيق معه ، وفي النهاية تكون العقوبة القاسية ، هي الجزاء المنتظر لهذا اليتيم المسكين . واليوم ... حدث ما يبرر كل حقد "حمدان " على تلميذه " جمعة "، وشاهد من خلال النافذة ، التلاميذ يلعبون بكرة مصنوعة من الخرق البالية ، لأنه حرم عليهم اللعب بالكرة الحقيقية ، التي جمع ثمنها منهم ، ولما كان "جمعة " بينهم ، اندفع " حمدان " إلى الباحة الترابية ، وأطلق صفارة الإنذار ، فتجمد الدم في عروق الصغار ، اقترب من الكرة ، تفحصها جيدا ، ثم صرخ : ـ من دس علم المدرسة ، مع هذه الخرق ؟. خيم على رؤوسهم صمت رهيب ، وتوجه " حمدان " بنظره الحاقد صوب " جمعة " : ـ أنت .. أليس كذلك ؟ .. قسما بالله سأسحقك . وانبعث صوت الطفل ، مبهوتا لهذا الإتهام : ـ لست أنا .. يا أستاذ !! ـ اخرس يا كلب .. هذا عمل لا يقوم به سواك . ـ وحق المصحف يا أستاذ ، أنا لا علاقة لي بصنع الكرة . وعلى الفور ، أمر الأستاذ بعض التلاميذ ، فرفعوا قدمي " جمعة " إلى الأعلى ، وانهال عليه بعصاه الغليظة ، فانطلق صراخ الطفل ، بريئا ، لينتشر في أرجاء القرية المتناثرة البيوت ، فالتم الناس على صوت العويل ، وأسرع بعض الصبية ، فأخبروا الأرملة . تحلق الأهالي رجالا ونساء وأطفال ، وجميعهم يسألون : ـ ماذا فعل " جمعة " .. ؟ . وكان الصغار يتولون الجواب : ـ لقد صنع من علم البلاد كرة . والأستاذ "حمدان " منهمك بضرب الصغير ، غير عابىء بصراخه وتوسلاته : ـ أستاذ .. دخيلك .. أبوس رجلك .. اتركني . وقبل أن تجد توسلات الصغير ، مكانا في قلب الأستاذ ، الذي كان يزهو داخليا ، لأنه مركز لهذه الأحداث ، جاءه صوت " خديجة " ، الذي يميزه عن أصوات نساء الأرض : ـ لماذا تضرب ولدي هكذا ، يا حضرة الأستاذ ؟! فزعق "حمدان " بوجهها : ـ لأنه مجرم .. مخرب .. خائن .. هل فهكت ؟ . اقترب الحاضرون أكثر من المعلم ، المتقطع الأنفاس : سأبعثه إلى السجن ، قسما سأبلغ السلطات عنه ، هذه جريمة لا يسكت عنها . صرخت الأم بانفعال شديد : ـ يعني ما حصل شيء ، ولد لا يفرق بين العلم ، وأية خرقة أخرى . زمجر المعلم المتلذذ بهذه المشاجرة الكلامية : ـ ولد ..؟!! .. لا يعرف قيمة العلم ؟!.. هذا غير صحيح ، من منكم ـ وتوجه بكلامه للحاضرين ـ من منكم .. لا يعرف بأن العلم رمز للدولة ؟؟!!.. اقترب المختار " أبو قاسم " ، يرجوه : ـ يا أستاذ " حمدان " ، هذا ولد .. يجب ألاّ تؤاخذه ، على هذه الغلطة . صاح " حمدان " : حتى أنت يامختار ؟؟؟!!!... والله سأكتب تقريرا إلى مختلف الجهات الأمنية . سأذكر وجهت نظرك هذه يا أبا قاسم : ـ أنا يجب أن لا أتناقش معكم ، في هذا الموضوع .. أصلا ليس من قيمتي أن أتناقش مع أحدكم ، هذا موضوع خطير ، وأنتم لا تفهمون بالسياسة ، سأكتب ... ومن لا يعجبه سأذكر اسمه في التقرير ، فأنا لا يجوز لي التسامح في هذا الشأن ، وأنا لعلمكم كاتب تقارير ممتاز ، ومن لا يصدق فليذهب إلى قائد قطعتي في الجيش ، ويسأله عن تقاريري ، كان يضرب المثل بها ، أمام رفاقي ، ومن هذه الناحية ... أنا لن أخسر شيئا ، سوى كتابة التقرير ، ووضع توقيعي وخاتم المدرسة عليه ، ثم تأتي الدوريات . ولما أراد المختار أن يتدخل مرة أخرى ، حدجه الأستاذ بنظرة ذات معنى ، وكتم بهجته .. بإرباكه .. وصرخ : ـ أرجوك يا جناب المختار ، لا تتفوه بكلمة ستندم عليها ... ومسؤوليتك أن تبلغ عنه بنفسك . نشر الخوف ظلاله على الجميع ، وتعثرت الكلمات على شفاههم ، مرت لحظات منحوته من دمع وظلام ، حار الواقفون ، وطال صمتهم ، فكر " أبو عيشة " أن يساند " حمدان " ، حتى لا يظل متعاليا عليه ، لكنه خجل من " خديجة " ، أرملة " نايف " ابن عمه ، التي رآها واقفة بانكسار . تردد أصحاب النخوة في مواقفهم ، وتقدم " أبو نواف " ، وطبع قبلة على شارب المعلم ، وتشجع " أبو ممدوح " ، فعزم على الجميع ، أن يتفضلوا إلى داره ، ليذبح خروفا إكراما للأستاذ ... هكذا راح يقسم . وانكبت خالة الأرملة العجوز ، على يد " حمدان " ، تقبلها ، وتبللها بدموعها . كثرت التوسلات ، وتعالت الأصوات ... مسترحمة ، مستعطفة ، حتى " خديجة " ... تهدجت كلماتها من الفزع .. وهي تتمتم : ـ هذا طفل يا أستاذ ... لو كان رجلا ... ولم تكمل كلامها ، حتى انتفش كالطاووس ، وهو يزعق بتلذذ : ـ السلطات العليا وحدها ستقرر مصير ابن الخائن هذا .. انصعقت " خديجة " ، توقعت كل شيء ، إلآ أن يتهم زوجها بالخيانة ، وحاولت أن تتمالك ، فلتصمت ... عن هذه الإهانة ، فالجميع يعرفون من هو زوجها ، المهم الآن ... أن تستعطف هذا الحاقد ، لأن مصير ولدها " جمعة " في خطر ، فابتلعت الإهانة ، وضغطت على جرحها ، وقالت : ـ سامحك الله يا أستاذ " حمدان " ، لو كنت تعرف أي الرجال ، كان "أبو جمعة " ، لما اتهمته بالخيانة . أدرك "حمدان " نقطة الضعف عند غريمته ، فعزم على تمريغ اسم المرحوم : ـ لو لم يكن جبانا ، لما أنجب هذا الولد الخائن . وهنا فقدت " خديجة " رشدها ، لم تعد تحتمل أكثر مما سمعت ، فصرخت كمجنونة ، واندفعت بتجاه " حمدان " : ـ اخرس ... اخرس ياكلب ، من أنت ، حتى تقول عن " أبي جمعة " جبان ؟؟؟!!!!.. متى أصبح الشهيد خائنا ؟!.. اذهب فاسأل تربة الجولان ، لتعرف من هو " أبو جمعة " ، أنت مجرد نذل .. حقير ، حاولت النيل من عرض هذا الشهيد ، الذي لا تساوي أنت وتقاريرك فردة حذائه . واندفعت نحوه أكثر ، رافعة يدها بقوة ، تريد أن تصفعه ، في تلك اللحظة ، عندما كان يتراجع " حمدان " مذعورا كالفأر ، شاهد جميع من كان حاضرا ، من أهالي " تل مكسور " يد " خديجة " الطاهرة ، تخفق في سماء القرية المكتنزة بالغيوم ، بشموخ وكبرياء ، ترتفع تماما مثل علم البلاد . ************* المصدر: منتدى يوسفية الهوى 🍎 jg l;s,v |
04-01-2021, 07:53 PM | #8 |
|
يا الله بعض ضعفاءالنفوس يستغلون الناس بشرهم وخديجة بطلة تدافع عن الحق
حمانا الله قصة جميلة جذبتني من أولها لآخرها سلم البنان |
عنقاءُ يحملني الفضاء وجُنحي يطوي الفضاء وقد حواه غروري لا تعجبوا إني خلقت لكي يُرى في خفق أجنحتي عظيم سروري [/FONT][/SIZE] |
الكلمات الدليلية |
مكسور |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|